- أحاديث رمضان
- /
- ٠06رمضان 1420 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
المؤمن الصادق هو من عرف الله وعرف أوامره :
أيها الأخوة الكرام ، يقول الله عز وجل في سورة الأحزاب :
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
المؤمن الصادق هو الذي عرف الله عز وجل ، وعرف أنه العليم ، وأنه الحكيم ، وأنه الخبير ، وأنه القوي ، وأنه الغني ، فإذا نزل حكم معين من عند الخبير ، حينما يفكر الإنسان أن يضع الحكم على بساط البحث ، وأن يعرضه للمناقشة والتقييم فهو ليس مؤمناً ، لمجرد أنك تضع حكم الله عز وجل في مجال المناقشة ، وفي مجال التقييم فأنت لا تعرف الله ، إنه حكم الله. لذلك:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
حكم الله في المرأة الحجاب ، تقول لي : نصف المجتمع ، تقول لي : يجب ألا تكون مقيدة ، أن تنطلق ، الشهوة قد تهذب ، هذا كله كلام ، الله عز وجل في هذا الموضوع أعطى حكماً . الربا محرم :
﴿ فَإِن ْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
الزواج هو القناة النظيفة للعلاقة بالمرأة ، علاقة أخرى ، بروح رياضية ، مثل أختي ، كل هذا كلام فارغ ، فلذلك :
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
وهذا معنى ما قيل عن سيدنا عمر : كان وقّافاً عند كتاب الله ، لأنه من عند الخبير، وقال تعالى :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
لذلك أي قضية في الدين فيها نص قطعي الدلالة ، وقطعي الثبوت ، لمجرد أن تعرضها للتقييم ، والأخذ ، والرد ، والتصويب ، وعدم التصويب فأنت لا تعرف الله عز وجل ، أما كلام البشر فيعرض للمناقشة ، وللتصويب ، وللتخطيء ، وما إلى ذلك .
تسخير السماوات والأرض للإنسان :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
أي أنت أيها الإنسان لأنك من بني البشر قبلت حمل الأمانة ، ولأنك قبلت حمل الأمانة سخرت لك السماوات والأرض ، ولأنها سُخرت لك أنت مكلف بتزكية نفسك ، وهذه الأمانة التي وردت في هذه السورة نفسك التي بين جنبيك ، الجواب :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
أي أنت تفلح الفلاح الحقيقي ، والنجاح الحقيقي ، والتفوق حينما تعرف نفسك بربها ، وحينما تحملها على طاعته فقد حققت الهدف من وجودك ، قضية الغيب لا يعلمه إلا الله ، وكل من يدّعي خلاف ذلك فهو يكذب ، وربنا عز وجل جاء بقضية مع سيدنا سليمان ، قال :
﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾
سينا سليمان أمرهم بأمر متعب ، ومهين ، ومات دون أن يعلموا :
﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾
.
الغيب لا يعلمه إلا الله :
الغيب لا يعلمه إلا الله ، وفي هذه الآية لا يعلم الغيب إلا الله ، ممكن أن تنفي مئة ألف قصة ليس لها أصل ، طبعاً العلم حرف ، والتكرار ألف :
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِم ﴾
قس على سيل العرم ، الأعاصير ، والزلازل ، والفيضانات ، والأمطار المهلكة ، نزلت أمطار بفنزويلا أودت بحياة مئة ألف ، وشردت مئتي ألف ، فالأمطار ، والرياح ، والجفاف، والتصحر ، والزلازل ، والبراكين ، والحروب الأهلية :
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾
أشجار كثيرة ، ثمار قليلة ، أشجار كثيرة موجة صقيع تودي بالمحصول كله ، فاكهة كبيرة ، الطعم غير مستساغ ، الصفات الكيميائية بالفاكهة ضعفت ، هذا من تقصير الناس ، ومن إعراضهم عن الله عز وجل ، وكلمة :
﴿ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ﴾
قال العلماء : الخير وفرة المواد ، ورخص الأسعار ، قد تفتقد المواد ، فهذه مشكلة وقد توجد ولا تملك ثمنها ، وقد توجد ، وسعرها فوق طاقتك ، إذاً الخير :
﴿ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ﴾
أي وفرة المواد ، ورخص الأسعار .
وكان سيدنا عمر رضي الله عنه كلما التقى بوالٍ من ولاته يسأله : كيف الأسعار عندكم ؟ وكيف الأمطار عندكم ؟
علاقة الإنسان مع الله وحده :
ثم إن التوحيد واضحٌ جداً في هذه الآية :
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾
إنسان قوي ، لو أن الخلايا نمت نمواً عشوائياً في جسمه ، هل في الأرض كلها قوةٌ تمنع هذا النمو؟ لا ، إذا أراد الله أن يهين إنساناً ، أو أراد أن يمرضه ، أو أراد أن يفقره ، أو أراد أن يعذبه ، لا يوجد بالأرض قوة تقف أمام هذا القرار ، وإن أراد أن يكرمه ، لا أحد يمنع ذلك ، علاقتك مع الله وحده ، حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾
قال :
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
شخص عاش ستين سنة ، أي أدرك ستين رمضان ، وستين صيفاً ، وستين خريفاً ، وستين ربيعاً ، وستين شتاء ، وكان صغيراً وكبر ، وذاق طعم الطفولة ، وطعم الفتوة ، وطعم الشباب ، وطعم الكهولة ، وطعم الشيخوخة ، وكان ابناً ، وصار أباً ، وصار جداً ، وزوجاً ، فالله عز وجل عمّر الإنسان عمراً يكفي لمعرفته :
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ﴾
.
إلى متى أنت باللذات مشغولُ وأنت عن كل ما قدمت مسؤولُ
***
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾
إلى متى؟ .
تعصي الإله وأنت تظهر حــبه ذاك لــعمري في المقال شنيعُ
لو كان حبك صادقاً لأطـــعتـــــه إن المحب لـــمن يحب يطيــع
***
تعريف بالنذير :
النذير؛ هو القرآن الكريم ، فيه بيان لكل شيء ، بيان لأحوال أهل الجنة ، وأحوال أهل النار ، بيان للأمم السابقة ، كيف أهلكها الله عز وجل ، وبيان الحلال والحرام ، والوعد والوعيد ، وفيه آيات كونية ، وآيات تكوينية ، هذا القرآن نذير ، والنبي عليه الصلاة والسلام بأحاديثه الشريفة نذير ، وسن الأربعين نذير ، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة ، وسن الستين نذير ، أي :
((عبدي كبر سنك ، وشاب شعرك ، وانحنى ظهرك ، وضعف بصرك ، فاستح مني فأنا أستحي منك))
والمصائب نذير ، أو رسالة ، كما قلت من قبل المصيبة رسالة لفت نظر ، وموت الأقارب نذير ، فالموت نذير ، والمصائب نذير ، والكبر في السن نذير ، الإنسان يكبر ، يضعف بصره ، يضع نظارة ، يغير أسنانه ، يصلح أسنانه أولاً ، بعد ذلك يضع جسراً ، بعد ذلك يضع بدلة ، بعد ذلك يحس بآلام في المفاصل ، بعد ذلك آلام في الظهر ، بعد ذلك بروستات ، ثم شحوم ثلاثية زائدة ، وكولسترول ، وأسيد أوريك ، ولا يعرف يصعد الدرج ، ومعه قليل من التضخم، بعد ذلك تأتي النعوة ، آخر شيء ، طريق لابد منه ، فالله عز وجل قبل أن نلتقي به ، يعطينا إنذارات ، أو إشارات لطيفة ، أي يا عبدي قد اقترب اللقاء ، فهل أنت مستعد ؟ ها هو قد ضعف بصرك ، وانحنى ظهرك ، وشاب شعرك ، فماذا تنتظر ؟
العبرة أن نكسب الحياة بالعمل الصالح ومعرفة الله :
يقول الله عز وجل :
﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾
هذا التقسيم الثلاثي ، أصحاب اليمين ، أصحاب الشمال ، والسابقون السابقون ، السابق في الخيرات ، المقتصد ، الظالم لنفسه ، فالإنسان الحد الأدنى أن يكون مقتصداً ، أو أن يكون من أصحاب اليمين ، والأولى أن يطمح لمرتبة السابقين السابقين ، أما أن يكون مع الصنف الثالث من أصحاب الشمال فهذا مما نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء .
الشيء اللطيف أن الإنسان مخلوق للجنة ، مخلوق للجنة أي مثل الخيال :
((أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَر))
نظام الجنة لا يوجد سعي ، ولا كد ، ولا تعب ، ولا قلق ، ولا خوف ، ولا مرض ، ولا كبر ، ولا خرف ، كل أمراض الدنيا ، وكل متاعب الدنيا ، وكل مشاغل الدنيا أهل الجنة في خيرٍ منها ، هذه الجنة :
(( . . .ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَر))
دائرة المرئيات محدودة جداً ، أما المسموعات فأكبر بمليار مرة ، أما الخواطر فلا تعد ولا تحصى ، هذه الجنة التي خلقنا من أجلها ، وهي إلى أبد الآبدين قد يخسرها الإنسان لسنواتٍ معدودة ، يتفلت فيها من منهج الله عز وجل ، سنوات معدودة لا تزيد عن عشرين سنة بين إنسان لا يستقر ، يكون له بيت ، يكون له دخل ، يكون له زوجة ، وأولاد بالأربعينات :
((مُعْتَرَكُ المنايا ما بين الستين إلى السبعين))
الإنسان إذا وصل للستين يقال : ما شاء الله ، شبع من عمره ، الآن كله يموت بالخامسة والثلاثين ، أو بالثامنة والثلاثين ، أو بالثانية والأربعين ، أو بالسابعة والأربعين ، كلما مات إنسان يقولون : كم عمره ؟ يتفاجأ الإنسان ، دون الأربعين يوجد حالات وفاة كثيرة جداً .
معنى هذا أن الإنسان عندما يكون مصمماً ، مهيئاً نفسه للآخرة ، الدنيا يسعد بها لأنها مؤقتة . من عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي .
إنسان من دون هدف يضيع في الحياة ، ويصاب بالسأم ، بالهدف كل شيء يرضيك منها ، بلا هدف كل شيء لا يرضيك منها ، إذا جعلتها هي الأصل ، وهي محط الرحال ، وهي منتهى الآمال ، وهي كل شيء ، الحياة فيها مليون مشكلة ، مليون سيف مسلط على رقاب الإنسان ، أقل شيء المرض ، أي الإنسان كل عظمته الموهومة على ميلي وربع قطر شريانه التاجي ، كل أملاكه ، كل مكانته ، كل شخصيته ، كل هيمنته ، وكل سطوته على هذه الميلي والربع ، إن ضاقت هذه الشرايين تبدأ متاعب لا تعد ولا تحصى ، وكل عظمته وهيمنته على سيولة دمه ، على نمو خلاياه ، متى ما تفلت نمو الخلايا انتهى ، متى ما تجمد الدم بالعروق انتهى ، حينما يضيق هذا الشريان التاجي تبدأ متاعبه ، هذه الحياة ، فالعبرة أن نكسب الحياة بالعمل الصالح ، ومعرفة الله .